الاثنين، 15 أكتوبر 2007

رد الشيخ خالد الردادي وفقه الله على مقال جميل خياط حول صيام الست من شوال

رد الشيخ خالد الردادي وفقه الله على مقال جميل خياط حول صيام الست من شوال

بسم الله الرحمن الرحيم
هذا

رد فضيلة الشيخ خالد الردادي – حفظه الله -

على

مقال الصحفي جميل خياط والذي نشره في جريدة المدينة

وقال فيه

بعدم جواز صيام الست من شوال وضعف الحديث الوارد في فضلها ،

قال أخي الكاتب ناشر هذا المقال في شبكة سحاب :

وقد أخبرني الشيخ وفقه الله أنه أرسل هذا الرد للجريدة

ولم ينشروه بعد ،

ولذا بادرت بنشره هاهنا ليعم به النفع اهـ

فإلى رد الشيخ الردادي :

##

مشروعية صيام الست من شوال حوار مع الاستاذ جميل خياط

##
فقد اطلعت على مقال للأستاذ جميل خياط في جريدة المدينة العدد 15185

بعنوان(صيام الستة أيام من شوال فيه أقوال..!!)

ذهب فيه إلى قول مرجوح وهو عدم جواز صيام الست من شوال ،

فألفيته قد أخطأ في مقاله هذا

##

عدة أخطاء جسيمة

##

وأوهم القراء بضعف الحديث الوارد في هذا

- مع كونه أخرجه مسلم في صحيحه وغيره-

فرأيت أن الرد على ما تمسك به الأستاذ لازم حتى لا يغتر بكلامه وتدليسه مع الأسف مغتر ،

ليس هذا فحسب

بل ذهب الأستاذ -هداه الله-إلى أن صيام الست يوقع في لوثة الابتداع!!
هذا

وقد كنت رددت عليه في المسألة نفسها قبل سنوات

ولكن -مع الأسف- لايزال الأستاذ إلى اليوم يكرر كلامه بعينه

دون امعان أو روية عقب كل رمضان !!
وكنت أود من الأستاذ وفقنا الله وإيّاه لكل خير أن يتريث وينظر في كلام العلماء

قبل أن يتكلم في مثل هذه المسائل دون دراية،

ولو رجع إلى رسالة الحافظ الفقيه الأصولي الشافعي المتوفىسنة761هـ

الموسومة بـ"رفع الإشكال عن صيام ست من أيام شوال"لوجد فيها جواب جميع ماأشكل عليه!
وعلى كلٍ

##

فالمآخذ على مقال الأخ نوجزها فيما يلي:

##
1-

عنوان المقال:

(صيام الستة أيام من شوال فيه أقوال)!
بينما

لم تذكر لنا في مقالك سوى القول المرجوح الذي حاولت جاهداً الانتصار له!!
##

2-

قال الأستاذ:

"يتردد على منابر الإعلام في أوائل شهر شوال من كل عام ما نسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من استحباب صيام ستة أيام من شوال..".
##

لِمَ هذا التدليس وعدم ذكرك للحديث وبيان مخرجه !
فهل يقال لحديث خرّجه مسلم في "صحيحه"

في كتاب الصوم باب استحاب صوم ستة أيام من شوال إتباعا لرمضان(رقم:1164)

حديث منسوب!!
فهلا ذكرت الحديث

وبينت من خرّجه من الأئمة في كتبهم

ثم ناقشت في صحته وضعفه!
أم أنك أعرضت عن ذكرك له حتى لا يلزمك القاريء أن الحديث في مسلم

ودواوين السنة المشهورة وأنت تبطله !
##

وهاكم نص الحديث مع تخريجه:‏
عَنْ ‏ ‏أَبِي أَيُّوبَ ‏ الأنصاري -رضي الله عنه- ‏ عَنْ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

‏ ‏قَالَ ‏

"من صام رمضان. ثم أتبعه ستا من شوال. كان كصيام الدهر".


أخرجه مسلم(رقم:1164)،وأبوداود(رقم:2433)،والترمذي (رقم:759)،والنسائي في "السنن الكبرى"(رقم:2863)،وابن ماجه (رقم:1716)،وأحمد في "المسند"(5/417)،والطيالسي (رقم:694)،وعبد الرزاق في "مصنفه"(رقم:7918و7919و7921)،الحميدي(رقم:381)،وابن أبي شيبة (3/97)،وعبد بن حميد(رقم:228/المنتخب)والدارمي(رقم:1703)،وابن خزيمة(رقم:2114)،والطحاوي في"مشكل الآثار"(3/118)،والطبراني في"الكبير"(4/135-136)،وفي"الأوسط"(رقم:4637)،وفي"الصغير"(رقم:664)،وابن حبان(رقم:3634)،والبيهقي في"السنن الكبرى"(4/292)،و"معرفة النن والآثار"(6/292)،والبغوي في"شرح السنة"(رقم:1780).
والحديث كما تقدم أخرجه مسلم في "صحيحه"

وحسبك به،

وقال الترمذي:

"حديث أبي أيوب حديث حسن صحيح"،وصححه ابن خزيمة وابن حبان وجماعة من أهل العلم المعتبرين،

فهل بعد هذا كله يصح أن يقال عن الحديث"ما نسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من استحباب صيام ستة أيام من شوال.."موهما ضعفه وبطلانه."!!
##
3-

##

قال الأستاذ:

"وقد أخذ بهذا الحديث الإمام أحمد ولم يأخذ به مالك ولا أبو حنيفة،

واعتبرا هذا الصيام مكروهاً".
وعلى كلامه هذا مأخذان:
أ-

أوهم الكاتب كعادته أن هذا الحديث لم يأخذ به سوى الإمام أحمد - رحمه الله –

وهذا غير صحيح البتة ،

قال ابن رجب -رحمه الله -في"لطائف المعارف"(ص389):
"وأما العمل به-يعني حديث أبي أيوب-فاستحب صيام ستة من شوال أكثر العلماء،روي ذلك عن ابن عباس-رضي الله عنهما-وطاووس والشعبي وميمون بن مهران وهو قول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق.."

اهـ.
وانظر:(نيل الأوطار4/266،وسبل السلام2/167،والمهذب1/187،وشرح النووي على مسلم8/56،والمغني3/172).
ب-

أن الحنفية والمالكية يرون أن كراهة صيام هذه الأيام خاص بمن يعتقد سنية الاتباع،وبمن يصومها متوالية متصلة برمضان.
قال الزرقاني المالكي-رحمه الله- في"شرح الموطأ"(2/271):"

قال شيوخنا إنما كره مالك صومها مخافة أن يلحق الجهلة برمضان غيره، أما صومها على ما أراده الشرع فلا يكره ،وقيل لم يبلغه الحديث أو لم يثبت عنده أو وجد العمل على خلافه ويحتمل أنه إنما كره وصل صومها بيوم الفطر فلو صامها أثناء الشهر فلا كراهة وهو ظاهر قوله ستة أيام بعد الفطر من رمضان ".
#

وقال الخرشي المالكي-رحمه الله-:
"وهذه-الكراهة-إذا صامها متصلة برمضان،متوالية،مظهراً لها،معتقداً سنة اتصالها،وإلاّ فلا كراهة" [حاشية الخرشي على مختصر خليل2/243].
#

وقال الكاساني الحنفي-رحمه الله-:
"والاتباع المكروه،هو أن يصوم يوم الفطر،ويصوم بعده خمسة أيام،فأما إذا أفطر يوم العيد ثم صام بعده ستة أيام فليس بمكروه،بل هو مستحب وسنة".[بدائع الصنائع2/980].
فهذا الذي في كتب الفقهاء المعتمدة فلا أدري لم أعرضت عنه ولم تذكره !بدل الإيهام والتدليس!!
##

4-

ثم قال الأستاذ:

"والعلة في هذا الحديث مردها إلى سعد بن سعيد، إذ عليه مداره في الرواية. وهو-أي هذا الراوي- سيئ الحفظ، كما ذكره الحافظ في التقريب (تحفة الأحوذي 519/753). وقال عنه النسائي، كما نقله ابن القيم في شرحه للسنن (814/2431): (سعد بن سعيد ضعيف) اهـ. وقال عنه الإمام أحمد: (.. وسعد بن سعيد هو ضعيف جداً، تركه مالك وأنكر عليه هذا الحديث، وقد ضعفه أحمد. وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج بحديث سعد بن سعيد والحديث بعد ذلك مداره على عمر بن ثابت الأنصاري، ولم يروه عن أبي أيوب غيره، فهو شاذ فلا يحتج به)اهـ. فهذه علة الحديث في ذاته، أولاً..".

##

وعلى كلامه هذا عدة مؤاخذات:

أ-

قولك أن مدار الحديث على سعد بن سعيد،فليس كذلك؛بل قد رواه صفوان بن سليم،ويحي بن سعيد القاضي-أخو سعد المذكور-عن عمر بن ثابت أيضاً.

أما رواية صفوان بن سليم:فأخرجها أبوداود(رقم:2433)،والنسائي في "السنن الكبرى"(رقم:2863) وابن حبان(رقم:3634)ثلاثتهم من حديث عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن صفوان بن سليم وسعد بن سعيد جميعاً عن عمر بن ثابت به.وصفوان ثقة حجة كما في "الكاشف" و"التقريب".
ب-

نقلك عن الإمام أحمد أنه قال عن سعد بن سعيد :ضعيف جداً..! غير صحيح البتة ولاأدري من أين لك هذا!!فمصدرك الذي نقلت منه كلامك فيه خلاف هذا،وهو"حاشية ابن القيم على سنن أي داود وإليك نص كلامه(7/61-63):

"هَذَا الْحَدِيث قَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ , فَأَوْرَدَهُ مُسْلِم فِي صَحِيحه . وَضَعَّفَهُ غَيْره , وَقَالَ : هُوَ مِنْ رِوَايَة سَعْد بْن سَعِيد أَخِي يَحْيَى بْن سَعِيد , قَالَ النَّسَائِيّ فِي سُنَنه : سَعْد بْن سَعِيد ضَعِيف , كَذَلِكَ قَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل..".وقال أيضاً:"وَقَدْ اِعْتَرَضَ بَعْض النَّاس عَلَى هَذِهِ الْأَحَادِيث بِاعْتِرَاضَاتٍ , نَذْكُرُهَا , وَنَذْكُر الْجَوَاب عَنْهَا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . ‏الِاعْتِرَاض الْأَوَّل:تَضْعِيفهَا . قَالُوا : وَأَشْهَرُهَا : حَدِيث أَبِي أَيُّوب , وَمَدَاره عَلَى سَعْد بْن سَعِيد , وَهُوَ ضَعِيف جِدًّا , تَرَكَهُ مَالِك , وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيث , وَقَدْ ضَعَّفَهُ أَحْمَد وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ : تَكَلَّمُوا فِيهِ مِنْ قِبَل حِفْظه . وَقَالَ النَّسَائِيّ : لَيس بِالْقَوِيِّ وَقَالَ اِبْن حِبَّان : لَا يَجُوز الِاحْتِجَاج بِحَدِيثِ سَعْد بْن سَعِيد ...".

فأنت ترى أنه

ليس في كلامه البتة أن أحمد قال عنه :ضعيف جداً.وإنما ضعفه فقط !

وإليك

أقوال الأئمة فيه كما في"التهذيب"لابن حجر(3/408):

"..قال عبد الله بن أحمد عن أبيه :ضعيف ،وكذا قال بن معين في رواية ،وقال في رواية أخرى: صالح ،وقال النسائي: ليس بالقوي ،وقال بن سعد :كان ثقة قليل الحديث ،وقال بن أبي حاتم سمعت أبي يقول : سعد بن سعيد الأنصاري يؤدي يعني أنه كان لا يحفظ ويؤدي ما سمع ،وقال بن عدي :له أحاديث صالحة تقرب من الاستقامة ولا أرى بحديثه بأسا بمقدار ما يرويه، وذكره بن حبان في الثقات وقال: كان يخطىء ،قال ابن سعد وخليفة بن خياط :توفي سنة 141 هـ.

قلت

وكذا أرخه بن حبان وزاد :لم يفحش خطؤه فلذلك سلكناه مسلك العدول ،وقال العجلي وابن عمار :ثقة ،وقال بن أبي حاتم في الجرح والتعديل: ذكر أبي عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين أنه قال : سعد بن سعيد الأنصاري مؤدي ،قال أبو الحسن بن القطان الفاسي :اختلف في ضبط هذه اللفظة فمنهم من يخففها أي هالك، ومنهم من يشددها أي حسن الأداء، وقال الترمذي: تكلموا فيه من قبل حفظه".

فهل مثل هذا يقال فيه:

ضعيف جداً،خاصة وأن مسلماً خرّج حديثه في الصحيح،فلايقال ضعيف جداً إلا لمن كان متروكاً وضاعاً!فأما من وثقه قوم وضعفه آخرون لسوء حفظه أو لشيء قريب وقد أحتج به في الصحيح لايقال فيه ضعيف جداً!

##

قال ابن القيم:
"‏سَلَّمْنَا ضَعْفه لَكِنَّ مُسْلِمٌ إِنَّمَا اِحْتَجَّ بِحَدِيثِهِ لِأَنَّهُ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يُخْطِئ فِيهِ بِقَرَائِن وَمُتَابَعَات وَلِشَوَاهِد دَلَّتْهُ عَلَى ذَلِكَ , وَإِنْ كَانَ قَدْ عَرَفَ خَطَؤُهُ فِي غَيْره , فَكَوْن الرَّجُل يُخْطِئ فِيشَيْءٍ لَا يَمْنَع الِاحْتِجَاج بِهِ فِيمَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يُخْطِئ فِيهِ , وَهَكَذَا حُكْم كَثِير مِنْ الْأَحَادِيث الَّتِي خَرَّجَاهَا , وَفِي إِسْنَادهَا مَنْ تُكُلِّمَ فِيهِ مِنْ جِهَة حِفْظه , فَإِنَّهُمَا لَمْ يُخْرِجَاهَا إِلَّا وَقَدْ وَجَدَا لَهَا مُتَابَعًا "[حاشية سنن أبي داود7/62].والذي أعجب له أن الكاتب وفقه الله ينقل عن ابن القيم هذه الاعتراضات حتى يوهم القاريء ويلبس عليه ولايذكر من قريب ولابعيد جواب ابن القيم عنها وتفنيده لها!!!!جـ-

قولك إن الحديث مداره على عمر بن ثابت الأنصاري، ولم يروه عن أبي أيوب غيره، فهو شاذ فلا يحتج به!
فالجواب أن هذا ليس من الشاذ الذي لا يحتج به،

ولو كان كذلك لكانت قطعة من أحاديث الصحيحين كثيرة لايحتج بها،لتفرد رواتها بها،وليس كذلك بالاتفاق.

فهذا حديث "إنما الأعمال بالنيات"لم يروه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلاّ عمر بن الخطاب،ولاعن عمر إلاّ علقمة بن وقاص الليثي،ولا عن علقمة إلاّ محمد بن إبراهيم التيمي،ولاعن محمد إلاّ يحي بن سعيد،وهو من أشهر الأحاديث،وأكثرها تكراراً في الصحيحين،ومثل هذا كثير في الصحيح.

قال الإمام الشافعي-رحمه الله-:

"ليس الشاذ أن يروي الثقة مالايروي غيره،إنما الشاذ أن يروي الثقة حديثاً يخالف ماروى الناس".

##

وقد قرر هذه المسألة علماء الحديث في مصنفاتهم

فهلا رجعت إليها،وانظر إن شئت:[علوم الحديث لابن الصلاح ص76،والإرشاد للنووي ص94،وفتح المغيث للعراقي ص85-86..].

##

ثم نقول:ليس هذا مما تفرّد به عمر بن ثابت،بل رواه أيضاً ثوبا ن مولى رسول الله صلى عليه وسلم ،وأبو هريرة ،وابن عمر رضي الله عنهم .


أما حديث ثوبان فأخرجه ابن حبان في "صحيحه"(رقم:3635)بعد حديث عمر بن ثابت قائلا:"ذكر الخبر المدحض قول من زعم أنّ هذا الخبر تفرّد به عمر بن ثابت عن أبي أيوب"،وأخرجه أحمد(5/280)،والدارمي(2/21)،والطحاويفي"مشكل الآثار"(3/119-120)،وابن ماجه(رقم:1715).

وأما حديث أبي هريرة وابن عمر فانظرتخريجها في"الترغيب والترهيب"للمنذري(2/40-41)،و"تحفة الأحوذي"(3/388).

##

5-

##

ثم قال الأستاذ:

"والثانية أن الرسول صلى الله عليه وسلم -كما نقله ابن القيم (814/2431) -قد نهى عن الصوم بعد انتصاف شعبان حماية لرمضان أن يُخلط به صوم غيره. فكيف بما يضاف إليه بعده..؟!! ".

وهذا عجيب غريب فهلا نقلت كلام ابن القيم في الجواب عن هذا بدل الإيهام والتدليس،وإليكم أيها الإخوة كلام ابن القيم في الرد على هذا الاعتراض،

قال-رحمه الله-:

"الِاعْتِرَاض الثَّالِث :

أَنَّ هَذَا الْحَدِيث غَيْر مَعْمُول بِهِ عِنْد أَهْل الْعِلْم . قَالَ مَالك فِي الْمُوَطَّأ : وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْل الْعِلْم وَالْفِقْه يَصُومهَا , وَلَمْ يَبْلُغنِي ذَلِكَ عَنْ أَحَد مِنْ السَّلَف , وَإِنَّ أَهْل الْعِلْم يَكْرَهُونَ ذَلِكَ , وَيَخَافُونَ بِدْعَته , وَأَنْ يُلْحِق بِرَمَضَان مَا لَيْسَ مِنْهُ أَهْل الْجَهَالَة وَالْجَفَاء , لَوْ رَأَوْا فِي ذَلِكَ رُخْصَة عَنْ أَهْل الْعِلْم , وَرَأَوْهُمْ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ , تَمَّ كَلَامُهُ , قَالَ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْمُنْذِرِيّ : وَاَلَّذِي خَشِيَ مِنْهُ مَالِك قَدْ وَقَعَ بِالْعَجَمِ , فَصَارُوا يَتْرُكُونَ الْمُسَحِّرِينَ عَلَى عَادَتِهِمْ وَالنَّوَاقِيس وَشَعَائِر رَمَضَان إِلَى آخِر السِّتَّة الْأَيَّام , فَحِينَئِذٍ يُظْهِرُونَ شَعَائِر الْعِيد .

وَيُؤَيِّد هَذَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي قِصَّة الرَّجُل الَّذِي دَخَلَ الْمَسْجِد وَصَلَّى الْفَرْض , ثُمَّ قَامَ يَتَنَفَّل , فَقَامَ إِلَيْهِ عُمَر , وَقَالَ لَهُ " اِجْلِسْ حَتَّى تَفْصِل بَيْن فَرْضك وَنَفْلِك , فَبِهَذَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلنَا , فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَصَابَ اللَّه بِك يَا اِبْن الْخَطَّاب " .‏‏

قَالُوا :

فَمَقْصُود عُمَر :

أَنَّ اِتِّصَال الْفَرْض بِالنَّفْلِ إِذَا حَصَلَ مَعَهُ التَّمَادِي وَطَالَ الزَّمَن ظَنَّ الْجُهَّال أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْفَرْض , كَمَا قَدْ شَاعَ عِنْد كَثِير مِنْ الْعَامَّة : أَنَّ صُبْح يَوْم الْجُمْعَة خَمْس سَجَدَات ولَا بُدّ , فَإِذَا تَرَكُوا قِرَاءَة { الم تَنْزِيل } قَرَءُوا غَيْرهَا مِنْ سُوَر السَّجَدَات , بَلْ نَهَى عَنْ الصَّوْم بَعْد اِنْتِصَاف شَعْبَان حِمَايَةً لِرَمَضَان أَنْ يُخْلَط بِهِ صَوْم غَيْره فَكَيْف بِمَا يُضَاف إِلَيْهِ بَعْده ؟

##

فَيُقَال :

الْكَلَام هُنَا فِي مَقَامَيْنِ :

‏‏أَحَدهمَا : فِي صَوْم سِتَّةٍ مِنْ شَوَّال , مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَة

وَالثَّانِي : فِي وَصْلهَا بِهِ .

##

‏‏أَمَّا الْأَوَّل فَقَوْلكُمْ : إِنَّ الْحَدِيث غَيْر مَعْمُول بِهِ : فَبَاطِلٌ , وَكَوْن أَهْل الْمَدِينَة فِي زَمَن مَالِك لَمْ يَعْمَلُوا بِهِ لَا يُوجِب تَرْك الْأُمَّة كُلّهمْ لَهُ , وَقَدْ عَمِلَ بِهِ أَحْمَد وَالشَّافِعِيّ وَابْن الْمُبَارَك وَغَيْهمْ .

##

قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ :

لَمْ يَبْلُغ مَالِكًا حَدِيث أَبِي أَيُّوب , عَلَى أَنَّهُ حَدِيثٌ مَدَنِيٌّ , وَالْإِحَاطَة بِعِلْمِ الْخَاصَّة لَا سَبِيل إِلَيْهِ , وَاَلَّذِي كَرِهَهُ مَالِك قَدْ بَيَّنَهُ وَأَوْضَحَهُ : خَشْيَة أَنْ يُضَاف إِلَى فَرْض رَمَضَان , وَأَنْ يَسْبِق ذَلِكَ إِلَى الْعَامَّة , وَكَانَ مُتَحَفِّظًا كَثِير الِاحْتِيَاط لِلدِّينِ , وَأَمَّا صَوْم السِّتَّة الْأَيَّام عَلَى طَلَب الْفَضْل , وَعَلَى التَّأْوِيل الَّذِي جَاءَ بِهِ ثَوْبَان , فَإِنَّ مَالِكًا لَا يَكْرَه ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّه , لِأَنَّ الصَّوْم جُنَّة , وَفَضْلُهُ مَعْلُومٌ : يَدَع طَعَامه وَشَرَابه لِلَّهِ , وَهُوَ عَمَل بِرّ وَخَيْر , وَقَدْ قَالَ تَعَالَى { وَافْعَلُوا الْخَيْر لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } وَمَالِك لَا يَجْهَل شَيْئًا مِنْ هَذَا , وَلَمْ يَكْرَه مِنْ ذَلِكَ إِلَّا مَا خَافَهُ عَلَى أَهْل الْجَهَالَة وَالْجَفَاء إِذَا اِسْتَمَرَّ ذَلِكَ , وَخَشِيَ أَنْ يُعَدَّ مِنْ فَرَائِض الصِّيَام , مُضَافًا إِلَى رَمَضَان , وَمَا أَظُنّ مَالِكًا جَهِلَ الْحَدِيث , لِأَنَّهُ حَدِيثٌ مَدَنِيٌّ اِنْفَرَدَ بِهِ عُمَر بْن ثَابِت , وَأَظُنّ عُمَر بْن ثَابِت لَمْ يَكُنْ عِنْده مِمَّنْ يَعْتَمِد عَلَيْهِ , وَقَدْ تَرَك مَالِك الِاحْتِجَاج بِبَعْضِ مَا رَوَاهُ عُمَر بْن ثَابِت . وَقِيلَ : إِنَّهُ رَوَى عَنْهُ , وَلَوْ لَا عِلْمه بِهِ مَا أَنْكَرَ بَعْض شُيُوخه , إِذْ لَمْ يَثِق بِحِفْظِهِ لِبَعْضِ مَا يَرْوِيه , وَقَدْ يُمْكِن أَنْ يَكُون جَهِلَ الْحَدِيث , وَلَوْ عَلِمَهُ لَقَالَ بِهِ , هَذَا كَلَامه . ‏‏وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض : أَخَذَ بِهَذَا الْحَدِيث جَمَاعَة مِنْ الْعُلَمَاء . وَرُوِيَ عَنْ مَالِك وَغَيْره كَرَاهِيَة ذَلِكَ , وَلَعَلَّ مَالِكًا إِنَّمَا كَرِهَ صَوْمهَا عَلَى مَا قَالَ فِي الْمُوَطَّأ : أَنْ يَعْتَقِد مَنْ يَصُومهُ أَنَّهُ فَرْض , وَأَمَّا عَلَى الْوَجْه الَّذِي أَرَادَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَائِز . ‏

##

وَأَمَّا الْمَقَام الثَّانِي :

فَلَا رَيْب أَنَّهُ مَتَى كَانَ فِي وَصْلِهَا بِرَمَضَان مِثْل هَذَا الْمَحْذُور كُرِهَ أَشَدّ الْكَرَاهَة , وَحُمِيَ الْفَرْض أَنْ يُخْلَط بِهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ , وَيَصُومهَا فِي وَسَط الشَّهْر أَوْ آخِره , وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْمَحْذُور فَدَفْعه وَالتَّحَرُّز مِنْهُ وَاجِبٌ , وَهُوَ مِنْ قَوَاعِد الْإِسْلَام . ‏‏فَإِنْ قِيلَ : الزِّيَادَة فِي الصَّوْم إِنَّمَا يُخَاف مِنْهَا لَوْ لَمْ يُفْصَل بَيْن ذَلِكَ بِفِطْرِ يَوْم الْعِيد , فَأَمَّا وَقَدْ تَخَلَّلَ فِطْر يَوْم الْعِيد فَلَا مَحْذُور . وَهَذَا جَوَابُ أَبِي حَامِد الْإِسْفَرَايِينِي وَغَيْره . ‏قِيلَ : فِطْر الْعِيد لَا يُؤَثِّر عِنْد الْجَهَلَة فِي دَفْع هَذِهِ الْمَفْسَدَة . لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ وَاجِبًا فَقَدْ يَرَوْنَهُ كَفِطْرِ يَوْم الْحَيْض , لَا يَقْطَع التَّتَابُع وَاتِّصَال الصَّوْم , فَبِكُلِّ حَال يَنْبَغِي تَجَنُّب صَوْمهَا عَقِب رَمَضَان إِذَا لَمْ تُؤْمَن مَعَهُ هَذَا الْمَفْسَدَة . وَاَللَّه أَعْلَم" [ حاشية سنن أبي داود7/61-63]. ‏

##

وختاماً هذا ما أردت التنبيه عليه في مقال الأستاذ ،

ومنه يتبين أن

الحديث الوارد في صيام الست من شوال ثابت صحيح ولا حجة لمن ضعفه أو حاول إعلاله

وأن صيام الست من شوال من السنن التي ينبغي الحرص عليها ،

وهذا ما يفتي به علمائنا الأفاضل في هذه البلاد - بلاد السنة - ولله الحمد ،

فلا داعي للتشغيب والتشكيك .

وفق الله الجميع للعمل بالسنة والأخذ بها ،وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.وكتب
خالد بن قاسم الردادي
المدرس بالجامعة الإسلامية
المدينة النبوية
8/10/1425هـ ‏

المصدر

شبكة سحاب السلفية

http://www.sahab.net/sahab/showthread.php?threadid=314752

ليست هناك تعليقات: